کد مطلب:90496 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:327
هُوَ اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ الْمُبینُ، أَحَقُّ وَ أَبْیَنُ مِمَّا تَرَی الْعُیُونُ. لَمْ تَبْلُغْهُ الْعُقُولُ بِتَحْدیدٍ فَیَكُونَ مُشَبَّهاً، وَ لَمْ تَقَعْ عَلَیْهِ الأَوْهَامُ بِتَقْدیرٍ فَیَكُونَ مُمَثَّلاً. خَلَقَ الْخَلْقَ عَلی غَیْرِ تَمْثیلٍ، وَ لاَ مَشُورَةِ مُشیرٍ، وَ لاَ مَعُونَةِ مُعینٍ، فَتَمَّ خَلْقُهُ بِأَمْرِهِ، وَ أَذْعَنَ لِطَاعَتِهِ، فَأَجَابَ وَ لَمْ یُدَافِعْ، وَ انْقَادَ وَ لَمْ یُنَازِعْ[1]. وَ أَنْشَأَ السَّحَابَ الثَّقَالَ، فَأَهْطَلَ دَیْمَهَا، وَ عَدَّدَ قِسَمَهَا، فَبَلَّ الأَرْضَ بَعْدَ جُفُوفِهَا، وَ أَخْرَجَ نَبْتَهَا بَعْدَ جُدُوبِهَا. وَ لَوْ فَكَّرُوا فی عَظیمِ الْقُدْرَةِ، وَ جَسیمِ النِّعْمَةِ، لَرَجَعُوا إِلَی الطَّریقِ، وَ خَافُوا عَذَابَ الْحَریقِ، وَ لكِنَّ الْقُلُوبَ عَلیلَةٌ، وَ الْبَصَائِرَ[2] مَدْخُولَةٌ. فَالطَّیْرُ مُسَخَّرَةٌ لأَمْرِهِ، أَحْصی عَدَدَ الرّیشِ مِنْهَا وَ النَّفَسَ، وَ أَرْسی قَوَائِمَهَا عَلَی النَّدی وَ الْیَبَسِ، وَ قَدَّرَ أَقْوَاتَهَا، وَ أَحْصی أَجْنَاسَهَا. فَهذَا غُرَابٌ، وَ هذَا عُقَابٌ، وَ هذَا حَمَامٌ، وَ هذَا نَعَامٌ، دَعَا كُلَّ طَائِرٍ بِاسْمِهِ، وَ تَكَفَّلَ لَهُ[3] بِرِزْقِهِ. أَلاَ یَنْظُرُونَ إِلی صَغیرِ مَا خَلَقَ اللَّهُ كَیْفَ أَحْكَمَ خَلْقَهُ، وَ أَتْقَنَ تَرْكیبَهُ، وَ فَلَقَ لَهُ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ، وَ سَوَّی لَهُ الْعَظْمَ وَ الْبَشَرَ؟. [صفحه 127] أُنْظُرُوا إِلَی النَّمْلَةِ فی صِغَرِ جُثَّتِهَا، وَ لَطَافَةِ هَیْئَتِهَا، لاَ تَكَادُ تُنَالُ بِلَحْظِ الْبَصَرِ[4]، وَ لاَ بِمُسْتَدْرَكِ الْفِكَرِ، كَیْفَ دَبَّتْ عَلی أَرْضِهَا، وَ صُبَّتْ[5] عَلی رِزْقِهَا[6]. تَنْقُلُ الْحَبَّةَ إِلی حُجْرِهَا، وَ تُعِدُّهَا فی مُسْتَقَرِّهَا. تَجْمَعُ فی حَرِّهَا لِبَرْدِهَا، وَ فی وِرْدِهَا[7] لِصَدَرِهَا. مَكْفُولٌ بِرِزْقِهَا، مَرْزُوقَةٌ بِوِفْقِهَا، لاَ یُغْفِلُهَا[8] الْمَنَّانُ، وَ لاَ یَحْرِمُهَا الدَّیَّانُ، وَ لَوْ فِی الصَّفَا الْیَابِسِ، وَ الْحَجَرِ الْجَامِسِ[9]. وَ لَوْ فَكَّرْتَ فی مَجَاری أَكْلِهَا، وَ فی عُلْوِهَا وَ سُفْلِهَا، وَ مَا فِی الْجَوْفِ مِنْ شَرَاسیفِ بَطْنِهَا، وَ مَا فِی الرَّأْسِ مِنْ عَیْنِهَا وَ أُذُنِهَا، لَقَضَیْتَ مِنْ خَلْقِهَا عَجَباً، وَ لَقیتَ مِنْ وَصْفِهَا تَعَباً. فَتَعَالَی اللَّهُ الَّذی أَقَامَهَا عَلی قَوَائِمِهَا، وَ بَنَاهَا عَلی دَعَائِمِهَا، لَمْ یَشْرَكْهُ فی فِطْرَتِهَا فَاطِرٌ، وَ لَمْ یُعِنْهُ عَلَی خَلْقِهَا قَادِرٌ. لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ، لاَ مَعْبُودَ سِوَاهُ[10]. وَ لَوْ ضَرَبْتَ فی مَذَاهِبِ فِكْرِكَ لِتَبْلُغَ غَایَاتِهِ[11]، مَا دَلَّتْكَ الدَّلاَلَةُ إِلاَّ عَلی أَنَّ فَاطِرَ النَّمْلَةِ هُوَ فَاطِرُ النَّخْلَةِ[12]، لِدَقیقِ تَفْصیلِ كُلِّ شَیْ ءٍ، وَ غَامِضِ اخْتِلاَفِ كُلِّ حَیٍّ. وَ مَا الْجَلیلُ وَ اللَّطیفُ، وَ الثَّقیلُ وَ الْخَفیفُ، وَ الْقَوِیُّ وَ الضَّعیفُ، فی خَلْقِهِ، إِلاَّ سَوَاءٌ. وَ كَذَلِكَ السَّمَاءُ وَ الْهَوَاءُ وَ الرِّیَاحُ وَ الْمَاءُ. فَانْظُرْ إِلَی الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ، وَ النَّبَاتِ وَ الشَّجَرِ، وَ الْمَاءِ وَ الْحَجَرِ، وَ اخْتِلاَفِ هذَا اللَّیْلِ [صفحه 128] وَ النَّهَارِ، وَ تَفَجُّرِ هذِهِ الْبِحَارِ[13]، وَ كَثْرَةِ هذِهِ الْجِبَالِ، وَ طُولِ هذِهِ الْقِلاَلِ، وَ تَفَرُّقِ هذِهِ اللُّغَاتِ، وَ الأَلْسُنِ الْمُخْتَلِفَاتِ. فَالْوَیْلُ لِمَنْ أَنْكَرَ الْمُقَدِّرَ، وَ جَحَدَ الْمُدَبِّرَ[14]. زَعَمُوا أَنَّهُمْ كَالنَّبَاتِ مَا لَهُمْ زَارِعٌ، وَ لاَ لاخْتِلاَفِ صُوَرِهِمْ صَانِعٌ. وَ لَمْ یَلْجَؤُوا إِلی حُجَّةٍ فیمَا ادَّعَوْا، وَ لاَ تَحْقیقٍ لِمَا أَوْعَوْا[15]. وَ هَلْ یَكُونُ بِنَاءٌ مِنْ غَیْرِ بَانٍ، أَوْ جِنَایَةٌ مِنْ غَیْرِ جَانٍ؟. وَ إِنْ شِئْتَ قُلْتَ فِی الْجَرَادَةِ، إِذْ خَلَقَ لَهَا عَیْنَیْنِ حَمْرَاوَیْنِ، وَ أَسْرَجَ لَهَا حَدَقَتَیْنِ قَمْرَاوَیْنِ، وَ جَعَلَ لَهَا السَّمْعَ الْخَفِیَّ، وَ فَتَحَ لَهَا الْفَمَ السَّوِیَّ، وَ جَعَلَ لَهَا الْحِسَّ الْقَوِیَّ، وَ نَابَیْنِ بِهِمَا تَقْرِضُ، وَ مِنْجَلَیْنِ بِهِمَا تَقْبِضُ، یَرْهَبُهَا الزُّرَّاعُ فی زَرْعِهِمْ، وَ لاَ یَسْتَطیعُونَ ذَبَّهَا[16]، وَ لَوْ أَجْلَبُوا بِجَمْعِهِمْ، حَتَّی تَرِدَ الْحَرْثَ فی نَزَوَاتِهَا، وَ تَقْضِیَ مِنْهُ شَهَوَاتِهَا، وَ خَلْقُهَا كُلُّهُ لاَ یَكُونُ إِلاَّ إِصْبِعاً مُسْتَدِقَّةً. وَ مِنْ لَطَائِفِ صَنْعَتِهِ، وَ عَجَائِبِ خِلْقَتِهِ، مَا أَرَانَا مِنْ غَوَامِضِ الْحِكْمَةِ فی هذِهِ الْخَفَافیشِ الَّتی یَقْبِضُهَا الضِّیَاءُ الْبَاسِطُ لِكُلِّ شَیْ ءٍ، وَ یَبْسُطُهَا الظَّلاَمُ الْقَابِضُ لِكُلِّ حَیٍّ، وَ كَیْفَ عَشِیَتْ أَعْیُنُهَا عَنْ أَنْ تَسْتَمِدَّ مِنَ الشَّمْسِ الْمُضیئَةِ نُوراً تَهْتَدی بِهِ فی مَذَاهِبِهَا، وَ تَتَّصِلَ بِعَلاَنِیَةِ بُرْهَانِ الشَّمْسِ إِلی مَعَارِفِهَا، وَ رَدَعَهَا بِتَلأْلُؤِ ضِیَائِهَا عَنِ الْمُضِیَّ فی سُبُحَاتِ إِشْرَاقِهَا، وَ أَكَنَّهَا فی مَكَامِنِهَا عَنِ الذِّهَابِ فی بُلَجِ ائْتِلاَقِهَا، فَهِیَ مُسْدَلَةُ الْجُفُونِ بِالنَّهَارِ عَلی أَحْدَاقِهَا[17]، وَ جَاعِلةُ اللَّیْلِ سِرَاجاً تَسْتَدِلُّ بِهِ فِی الْتِمَاسِ أَرْزَاقِهَا، فَلاَ یَرُدُّ أَبْصَارَهَا إِسْدَافُ ظُلْمَتِهِ، وَ لاَ تَمْتَنِعُ مِنَ الْمُضِیِّ فیهِ لِغَسَقِ دُجُنَّتِهِ. فَإِذَا أَلْقَتِ الشَّمْسُ قِنَاعَهَا، وَ بَدَتْ أَوْضَاحُ نَهَارِهَا، وَ دَخَلَ مِنْ إِشْرَاقِ نُورِهَا عَلَی الضِّبَابِ[18] فی وِجَارِهَا، أَطْبَقَتِ الأَجْفَانَ عَلی مَآقیهَا، وَ تَبَلَّغَتْ بِمَا اكْتَسَبَتْهُ مِنَ [صفحه 129] الْمَعَاشِ فی[19] ظُلَمِ لَیَالِیهَا. فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ اللَّیْلَ لَهَا نَهَاراً وَ مَعَاشاً، وَ النَّهَارَ سَكَناً وَ قَرَاراً، وَ جَعَلَ لَهَا أَجْنِحَةً مِنْ لَحْمِهَا تَعْرُجُ بِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَی الطَّیَرَانِ كَأَنَّهَا شَظَایَا الآذَانِ، غَیْرَ ذَوَاتِ ریشٍ وَ لاَ قَصَبٍ، إِلاَّ أَنَّكَ تَری مَوَاضِعَ الْعُرُوقِ بَیِّنَةً أَعْلاَماً. لَهَا جَنَاحَانِ لَمَّا[20] یَرِقَّا فَیَنْشَقَّا، وَ لَمْ یَغْلُظَا فَیَثْقُلاَ. تَطیرُ وَ وَلَدُهَا لاَ صِقٌ بِهَا، لاَجِئٌ إِلَیْهَا، یَقَعُ إِذَا وَقَعَتْ، وَ یَرْتَفِعُ إِذَا ارْتَفَعَتْ، لاَ یُفَارِقُهَا حَتَّی تَشْتَدَّ أَرْكَانُهُ، وَ یَحْمِلَهُ لِلنُّهُوضِ جَنَاحُهُ، وَ یَعْرِفَ مَذَاهِبَ عَیْشِهِ، وَ مَصَالِحَ نَفْسِهِ. فَسُبْحَانَ الْبَارِئِ لِكُلِّ شَیْ ءٍ، عَلی غَیْرِ مِثَالٍ خَلاَ مِنْ غَیْرِهِ. [ وَ ] تَبَارَكَ الَّذی یَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِی السَّموَاتِ وَ الأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً، وَ یُعَفِّرُ[21] لَهُ خَدّاً وَ وَجْهاً، وَ یُلْقی إِلَیْهِ بِالطَّاعَةِ سِلْماً وَ ضَعْفاً، وَ یُعْطِی لَهُ الْقِیَادَ رَهْبَةً وَ خَوْفاً.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحیمِ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی انْحَسَرَتِ الأَوْصَافُ عَنْ كُنْهِ مَعْرِفَتِهِ، وَ رَدَعَتْ عَظَمَتُهُ الْعُقُولَ فَلَمْ تَجِدْ مَسَاغاً إِلی بُلُوغِ غَایَةِ مَلَكُوتِهِ.
صفحه 127، 128، 129.