کد مطلب:90496 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:327

خطبة له علیه السلام (09)-فی عظمة اللّه تعالی و یذکر فیها بدی















بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحیمِ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی انْحَسَرَتِ الأَوْصَافُ عَنْ كُنْهِ مَعْرِفَتِهِ، وَ رَدَعَتْ عَظَمَتُهُ الْعُقُولَ فَلَمْ تَجِدْ مَسَاغاً إِلی بُلُوغِ غَایَةِ مَلَكُوتِهِ.

هُوَ اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ الْمُبینُ، أَحَقُّ وَ أَبْیَنُ مِمَّا تَرَی الْعُیُونُ.

لَمْ تَبْلُغْهُ الْعُقُولُ بِتَحْدیدٍ فَیَكُونَ مُشَبَّهاً، وَ لَمْ تَقَعْ عَلَیْهِ الأَوْهَامُ بِتَقْدیرٍ فَیَكُونَ مُمَثَّلاً.

خَلَقَ الْخَلْقَ عَلی غَیْرِ تَمْثیلٍ، وَ لاَ مَشُورَةِ مُشیرٍ، وَ لاَ مَعُونَةِ مُعینٍ، فَتَمَّ خَلْقُهُ بِأَمْرِهِ، وَ أَذْعَنَ لِطَاعَتِهِ، فَأَجَابَ وَ لَمْ یُدَافِعْ، وَ انْقَادَ وَ لَمْ یُنَازِعْ[1].

وَ أَنْشَأَ السَّحَابَ الثَّقَالَ، فَأَهْطَلَ دَیْمَهَا، وَ عَدَّدَ قِسَمَهَا، فَبَلَّ الأَرْضَ بَعْدَ جُفُوفِهَا، وَ أَخْرَجَ نَبْتَهَا بَعْدَ جُدُوبِهَا.

وَ لَوْ فَكَّرُوا فی عَظیمِ الْقُدْرَةِ، وَ جَسیمِ النِّعْمَةِ، لَرَجَعُوا إِلَی الطَّریقِ، وَ خَافُوا عَذَابَ الْحَریقِ،

وَ لكِنَّ الْقُلُوبَ عَلیلَةٌ، وَ الْبَصَائِرَ[2] مَدْخُولَةٌ.

فَالطَّیْرُ مُسَخَّرَةٌ لأَمْرِهِ، أَحْصی عَدَدَ الرّیشِ مِنْهَا وَ النَّفَسَ، وَ أَرْسی قَوَائِمَهَا عَلَی النَّدی وَ الْیَبَسِ، وَ قَدَّرَ أَقْوَاتَهَا، وَ أَحْصی أَجْنَاسَهَا.

فَهذَا غُرَابٌ، وَ هذَا عُقَابٌ، وَ هذَا حَمَامٌ، وَ هذَا نَعَامٌ، دَعَا كُلَّ طَائِرٍ بِاسْمِهِ، وَ تَكَفَّلَ لَهُ[3] بِرِزْقِهِ.

أَلاَ یَنْظُرُونَ إِلی صَغیرِ مَا خَلَقَ اللَّهُ كَیْفَ أَحْكَمَ خَلْقَهُ، وَ أَتْقَنَ تَرْكیبَهُ، وَ فَلَقَ لَهُ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ، وَ سَوَّی لَهُ الْعَظْمَ وَ الْبَشَرَ؟.

[صفحه 127]

أُنْظُرُوا إِلَی النَّمْلَةِ فی صِغَرِ جُثَّتِهَا، وَ لَطَافَةِ هَیْئَتِهَا، لاَ تَكَادُ تُنَالُ بِلَحْظِ الْبَصَرِ[4]، وَ لاَ بِمُسْتَدْرَكِ الْفِكَرِ، كَیْفَ دَبَّتْ عَلی أَرْضِهَا، وَ صُبَّتْ[5] عَلی رِزْقِهَا[6].

تَنْقُلُ الْحَبَّةَ إِلی حُجْرِهَا، وَ تُعِدُّهَا فی مُسْتَقَرِّهَا.

تَجْمَعُ فی حَرِّهَا لِبَرْدِهَا، وَ فی وِرْدِهَا[7] لِصَدَرِهَا.

مَكْفُولٌ بِرِزْقِهَا، مَرْزُوقَةٌ بِوِفْقِهَا، لاَ یُغْفِلُهَا[8] الْمَنَّانُ، وَ لاَ یَحْرِمُهَا الدَّیَّانُ، وَ لَوْ فِی الصَّفَا الْیَابِسِ، وَ الْحَجَرِ الْجَامِسِ[9].

وَ لَوْ فَكَّرْتَ فی مَجَاری أَكْلِهَا، وَ فی عُلْوِهَا وَ سُفْلِهَا، وَ مَا فِی الْجَوْفِ مِنْ شَرَاسیفِ بَطْنِهَا،

وَ مَا فِی الرَّأْسِ مِنْ عَیْنِهَا وَ أُذُنِهَا، لَقَضَیْتَ مِنْ خَلْقِهَا عَجَباً، وَ لَقیتَ مِنْ وَصْفِهَا تَعَباً.

فَتَعَالَی اللَّهُ الَّذی أَقَامَهَا عَلی قَوَائِمِهَا، وَ بَنَاهَا عَلی دَعَائِمِهَا، لَمْ یَشْرَكْهُ فی فِطْرَتِهَا فَاطِرٌ،

وَ لَمْ یُعِنْهُ عَلَی خَلْقِهَا قَادِرٌ. لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ، لاَ مَعْبُودَ سِوَاهُ[10].

وَ لَوْ ضَرَبْتَ فی مَذَاهِبِ فِكْرِكَ لِتَبْلُغَ غَایَاتِهِ[11]، مَا دَلَّتْكَ الدَّلاَلَةُ إِلاَّ عَلی أَنَّ فَاطِرَ النَّمْلَةِ هُوَ فَاطِرُ النَّخْلَةِ[12]، لِدَقیقِ تَفْصیلِ كُلِّ شَیْ ءٍ، وَ غَامِضِ اخْتِلاَفِ كُلِّ حَیٍّ.

وَ مَا الْجَلیلُ وَ اللَّطیفُ، وَ الثَّقیلُ وَ الْخَفیفُ، وَ الْقَوِیُّ وَ الضَّعیفُ، فی خَلْقِهِ، إِلاَّ سَوَاءٌ.

وَ كَذَلِكَ السَّمَاءُ وَ الْهَوَاءُ وَ الرِّیَاحُ وَ الْمَاءُ.

فَانْظُرْ إِلَی الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ، وَ النَّبَاتِ وَ الشَّجَرِ، وَ الْمَاءِ وَ الْحَجَرِ، وَ اخْتِلاَفِ هذَا اللَّیْلِ

[صفحه 128]

وَ النَّهَارِ، وَ تَفَجُّرِ هذِهِ الْبِحَارِ[13]، وَ كَثْرَةِ هذِهِ الْجِبَالِ، وَ طُولِ هذِهِ الْقِلاَلِ، وَ تَفَرُّقِ هذِهِ اللُّغَاتِ،

وَ الأَلْسُنِ الْمُخْتَلِفَاتِ.

فَالْوَیْلُ لِمَنْ أَنْكَرَ الْمُقَدِّرَ، وَ جَحَدَ الْمُدَبِّرَ[14].

زَعَمُوا أَنَّهُمْ كَالنَّبَاتِ مَا لَهُمْ زَارِعٌ، وَ لاَ لاخْتِلاَفِ صُوَرِهِمْ صَانِعٌ.

وَ لَمْ یَلْجَؤُوا إِلی حُجَّةٍ فیمَا ادَّعَوْا، وَ لاَ تَحْقیقٍ لِمَا أَوْعَوْا[15].

وَ هَلْ یَكُونُ بِنَاءٌ مِنْ غَیْرِ بَانٍ، أَوْ جِنَایَةٌ مِنْ غَیْرِ جَانٍ؟.

وَ إِنْ شِئْتَ قُلْتَ فِی الْجَرَادَةِ، إِذْ خَلَقَ لَهَا عَیْنَیْنِ حَمْرَاوَیْنِ، وَ أَسْرَجَ لَهَا حَدَقَتَیْنِ قَمْرَاوَیْنِ،

وَ جَعَلَ لَهَا السَّمْعَ الْخَفِیَّ، وَ فَتَحَ لَهَا الْفَمَ السَّوِیَّ، وَ جَعَلَ لَهَا الْحِسَّ الْقَوِیَّ، وَ نَابَیْنِ بِهِمَا تَقْرِضُ،

وَ مِنْجَلَیْنِ بِهِمَا تَقْبِضُ، یَرْهَبُهَا الزُّرَّاعُ فی زَرْعِهِمْ، وَ لاَ یَسْتَطیعُونَ ذَبَّهَا[16]، وَ لَوْ أَجْلَبُوا بِجَمْعِهِمْ،

حَتَّی تَرِدَ الْحَرْثَ فی نَزَوَاتِهَا، وَ تَقْضِیَ مِنْهُ شَهَوَاتِهَا، وَ خَلْقُهَا كُلُّهُ لاَ یَكُونُ إِلاَّ إِصْبِعاً مُسْتَدِقَّةً.

وَ مِنْ لَطَائِفِ صَنْعَتِهِ، وَ عَجَائِبِ خِلْقَتِهِ، مَا أَرَانَا مِنْ غَوَامِضِ الْحِكْمَةِ فی هذِهِ الْخَفَافیشِ الَّتی یَقْبِضُهَا الضِّیَاءُ الْبَاسِطُ لِكُلِّ شَیْ ءٍ، وَ یَبْسُطُهَا الظَّلاَمُ الْقَابِضُ لِكُلِّ حَیٍّ، وَ كَیْفَ عَشِیَتْ أَعْیُنُهَا عَنْ أَنْ تَسْتَمِدَّ مِنَ الشَّمْسِ الْمُضیئَةِ نُوراً تَهْتَدی بِهِ فی مَذَاهِبِهَا، وَ تَتَّصِلَ بِعَلاَنِیَةِ بُرْهَانِ الشَّمْسِ إِلی مَعَارِفِهَا، وَ رَدَعَهَا بِتَلأْلُؤِ ضِیَائِهَا عَنِ الْمُضِیَّ فی سُبُحَاتِ إِشْرَاقِهَا، وَ أَكَنَّهَا فی مَكَامِنِهَا عَنِ الذِّهَابِ فی بُلَجِ ائْتِلاَقِهَا، فَهِیَ مُسْدَلَةُ الْجُفُونِ بِالنَّهَارِ عَلی أَحْدَاقِهَا[17]، وَ جَاعِلةُ اللَّیْلِ سِرَاجاً تَسْتَدِلُّ بِهِ فِی الْتِمَاسِ أَرْزَاقِهَا، فَلاَ یَرُدُّ أَبْصَارَهَا إِسْدَافُ ظُلْمَتِهِ، وَ لاَ تَمْتَنِعُ مِنَ الْمُضِیِّ فیهِ لِغَسَقِ دُجُنَّتِهِ. فَإِذَا أَلْقَتِ الشَّمْسُ قِنَاعَهَا، وَ بَدَتْ أَوْضَاحُ نَهَارِهَا، وَ دَخَلَ مِنْ إِشْرَاقِ نُورِهَا عَلَی الضِّبَابِ[18] فی وِجَارِهَا، أَطْبَقَتِ الأَجْفَانَ عَلی مَآقیهَا، وَ تَبَلَّغَتْ بِمَا اكْتَسَبَتْهُ مِنَ

[صفحه 129]

الْمَعَاشِ فی[19] ظُلَمِ لَیَالِیهَا.

فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ اللَّیْلَ لَهَا نَهَاراً وَ مَعَاشاً، وَ النَّهَارَ سَكَناً وَ قَرَاراً، وَ جَعَلَ لَهَا أَجْنِحَةً مِنْ لَحْمِهَا تَعْرُجُ بِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَی الطَّیَرَانِ كَأَنَّهَا شَظَایَا الآذَانِ، غَیْرَ ذَوَاتِ ریشٍ وَ لاَ قَصَبٍ، إِلاَّ أَنَّكَ تَری مَوَاضِعَ الْعُرُوقِ بَیِّنَةً أَعْلاَماً.

لَهَا جَنَاحَانِ لَمَّا[20] یَرِقَّا فَیَنْشَقَّا، وَ لَمْ یَغْلُظَا فَیَثْقُلاَ.

تَطیرُ وَ وَلَدُهَا لاَ صِقٌ بِهَا، لاَجِئٌ إِلَیْهَا، یَقَعُ إِذَا وَقَعَتْ، وَ یَرْتَفِعُ إِذَا ارْتَفَعَتْ، لاَ یُفَارِقُهَا حَتَّی تَشْتَدَّ أَرْكَانُهُ، وَ یَحْمِلَهُ لِلنُّهُوضِ جَنَاحُهُ، وَ یَعْرِفَ مَذَاهِبَ عَیْشِهِ، وَ مَصَالِحَ نَفْسِهِ.

فَسُبْحَانَ الْبَارِئِ لِكُلِّ شَیْ ءٍ، عَلی غَیْرِ مِثَالٍ خَلاَ مِنْ غَیْرِهِ.

[ وَ ] تَبَارَكَ الَّذی یَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِی السَّموَاتِ وَ الأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً، وَ یُعَفِّرُ[21] لَهُ خَدّاً وَ وَجْهاً، وَ یُلْقی إِلَیْهِ بِالطَّاعَةِ سِلْماً وَ ضَعْفاً، وَ یُعْطِی لَهُ الْقِیَادَ رَهْبَةً وَ خَوْفاً.


صفحه 127، 128، 129.








    1. لم یمانع. ورد فی نسخة الأسترابادی ص 206.
    2. الأبصار. ورد فی نسخة ابن المؤدب ص 167. و نسخة العطاردی ص 274.
    3. كفل. ورد فی نسخة العام 400 ص 239. و نسخة ابن المؤدب ص 169. و هامش نسخة نصیری ص 111. و نسخة الآملی ص 206. و نسخة ابن أبی المحاسن ص 238. و نسخة العطاردی ص 276. و نسخة عبده ص 401. و نسخة الصالح ص 272.
    4. النّظر. ورد فی
    5. ضنّت. ورد فی نسخة الجیلانی. و هامش نسخة الأسترابادی ص 270. و نسخة العطاردی ص 274 عن نسخة نصیری و نسخة موجودة فی مكتبة مدرسة نواب فی مدینة مشهد.
    6. وسعت فی مناكبها، و طلبت رزقها. ورد فی
    7. ورودها. ورد فی نسخة العام 400 ص 237. و نسخة ابن المؤدب ص 167. و نسخة نصیری ص 110. و نسخة الآملی ص 204. و نسخة ابن أبی المحاسن ص 236. و نسخة الجیلانی. و نسخة العطاردی ص 274. و نسخة عبده ص 399.
    8. لا یغفل عنها. ورد فی
    9. الخامس. ورد فی
    10. ورد فی
    11. غایاتك. ورد فی نسخة العطاردی ص 274.
    12. النّحلة. ورد فی نسخة الآملی ص 205 عن نسخة بخط الشریف الرضی. و نسخة الجیلانی. و هامش نسخة الأسترابادی ص 271.
    13. الأنهار. ورد فی الإحتجاج للطبرسی ص 205. و البحار للمجلسی ج 3 ص 26.
    14. لمن جحد المقدّر، و أنكر المدبّر. ورد فی نسخة الجیلانی. و نسخة العطاردی ص 275 عن نسخة موجودة فی مكتبة جامعة علیكره الهند. و نسخة عبده ص 400. و متن بهج الصباغة ج 12 ص 359.
    15. وعوا. ورد فی نسخة العام 400 ص 238. و نسخة نصیری ص 110. و نسخة ابن أبی المحاسن ص 237. و نسخة العطاردی ص 275. و ورد دعوا فی نسخة ابن أبی الحدید ج 13 ص 56.
    16. ردّها. ورد فی
    17. حداقها. ورد فی نسخة العام 400 ص 183. و نسخة ابن المؤدب ص 130. و نسخة نصیری ص 84. و نسخة الآملی ص 126. و نسخة ابن أبی المحاسن ص 182. و نسخة الأسترابادی ص 207. و نسخة الصالح ص 217.
    18. الضّباع. ورد فی نسخة العطاردی ص 178 عن هامش نسخة موجودة فی مكتبة مدرسة نواب فی مدینة مشهد.
    19. بما اكتسبت من فی ء. ورد فی متن شرح ابن میثم ج 3 ص 253. و نسخة عبده ص 333. و متن بهج الصباغة ج 12 ص 324. و متن مصادر نهج البلاغة ج 2 ص 351.
    20. لم. ورد فی هامش نسخة الأسترابادی ص 207. و متن شرح ابن أبی الحد ( طبعة دار الأندلس ) ج 2 ص 454.
    21. یعنو. ورد فی نسخة عبده ص 401.